أمواج العلوم

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
أمواج العلوم



style="display:inline-block;width:300px;height:250px"
data-ad-client="ca-pub-9028149039137539"
data-ad-slot="9378384008">




    نظرة كانط الفلسفية للدين

    ait hado
    ait hado
    محترف يفوق الخيال
    محترف يفوق الخيال


    الدولة : المغرب
    عدد المساهمات : 914
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 07/11/2010
    العمر : 32
    الموقع : https://amwage2020.ahlamontada.com
    المزاجhappy

    نظرة كانط الفلسفية للدين Empty نظرة كانط الفلسفية للدين

    مُساهمة من طرف ait hado الجمعة 30 مارس 2012, 07:53


    نظرة كانط الفلسفية للدين

    نظرة كانط الفلسفية للدين

    زهير الخويلدي

    "يحتاج العقل البشري لفكرة الكمال التام التي يستخدمها كسلم يرجع إليه من أجل أن يتمكن من تحديد نفسه"[1].

    إن
    السياق خوض في هذا المبحث هو الرد على من يربط التفكير الفلسفي الحر
    بالتشكيك في قدسية الدين ومن يتهم معظم الفلاسفة بالإلحاد وهم منه براء
    ويأتي أيضا لإبراز حضور المسألة الدينية كمنطلق نظري ومسطح محايثة أخلاقي
    لدي مفكري الحداثة والتنوير. ولكن السبب الأبرز هو البحث في خلفية اعتبار البعض من الكانطيين الجدد وخاصة جيل دولوز[2]
    كانط هو أول القائلين بموت الله على الصعيد النظري قبل نيتشه خاصة لما فرق
    بين المعرفة العلمية الخاضعة للتجربة والتفكير الفلسفي المبحر في التجريد
    وبين المظهر الخارجي الموصوف والجوهر الباطني الملغز وأكد استحالة معرفة
    الأشياء في ذاتها وأن الغيبيات هي موضوع للاعتقاد والتسليم فحسب ولما جعل
    البرهنة على وجود الله في نقد العقل المحض واحد من ثلاثة نقائض
    antinomie يقع فيها العقل البشري.

    ربما
    تكون مثل هذه الآراء واحدة من المبررات التي جعلت تيار الوضعية المنطقية
    مع حلقة فيانا والعلمويون المغالون ينتزعون تأويلا ابستيمولوجيا من المدونة
    الكانطية الثرية وينظرون اليه باعتباره واحدا من المنهجيين الملحدين ومن
    الناقدين الجذريين للميتافيزيقا والدين والمشيدين للحداثة بالمعنى العلمي
    محتجين بقولته الشهيرة:"ما من ثورة في مجال العلم وإلا وكانت ثورة في مجال
    المنهج".

    لكن
    ألم يستعد كانط بالأخلاق والدين ما كان قد أضاعه بالمعرفة والعلم؟ ألم يكن
    يترك زمنا معينا للإيمان أثناء الوقت الذي يتفرغ فيه للتأمل الفلسفي
    العميق والبحث العلمي الشاق؟

    ما
    يعزز رأينا أن الفيلسوف الألماني كانط قد كتب أهم مؤلفاته "الدين في حدود
    العقل" و"دروس في النظرية الفلسفية للدين" ليس في مرحلته الوثوقية بل في
    مرحلته النقدية والتي توجها بنقد ملكة الحكم بعد أن قام بنقد العقل المحض
    ونقد العقل العملي. علاوة على ذلك يصرح كانط علنا بتصديقه الفلسفي وتعلقه
    للأبعاد الروحانية وتعطشه للمطلق بقوله:" لقد بدا لي أنه من الضروري أن أضع
    حدودا للمعرفة...لكي أترك المجال للإيمان."فهل يتناقض هذا التشبث بالموروث
    الديني مع النزعة النقدية عند فيلسوف الأنوار؟

    من
    المعلوم أن كانط فيلسوف مسيحي يتهمه البعض خاصة نيتشه بالمثال الزهدي
    والطهرية والأخلاقوية ويؤمن بوجود الله وببعض العقائد الدينية المتفق عليها
    حتى في الديانات الأخرى مثل خلود الروح والغيب والبعث والجزاء وهو واضع
    النظرة الأخلاقية الأخروية للعالم على الأقل في نسختها الحديثة بعد أن كان
    سقراط وأفلاطون قد شيدا نسختها القديمة وابن سينا وابن خلدون نسختها
    الوسيطة. فماهو التصور الكانطي لفكرة الألوهية؟ وكيف برهن على وجود الله؟
    وماهو موقفه من المسيحي؟ وهل تحرر من النظرة المسيحية المزدرية للديانات
    الأخرى وخاصة اليهودية والإسلام؟

    إن
    استحال على كانط أن يثبت وجود الله عن طريق العقل النظري فإن المرور بطريق
    العقل العملي وبملكة الذوق ييسران له ذلك وخاصة عند الحديث عن الخير
    الأسمى أخلاقيا وعن الجليل والعائل جماليا. ولقد قادت نظرية وحدة الوجود
    الأخلاقية كانط إلى استعمال جملة من الحجج بغية البرهنة على وجود الله نذكر
    منها الحجة الأنطولوجية الموروثة عن القديس أوغسطين وديكارت والحجة
    الكوسمولوجية الآتية من أرسطو والتي عدلها كل من أفلوطين وفلاسفة العرب
    والمسلمين والحجة اللاهوتية الفيزيائية التي نشأت بين أحضان العلم وبلورها
    نيوتن كأحسن ما يكون وفق تيولوجيا عقلانية حديثة.

    لقد
    توج كانط هذه المناقشة المتعالية مع اللاهوت الحديث ببناء تيولوجيا ذات
    قواعد أنطولوجية وكوسمولوجية وفيزيائية واخلاقية وتسلم بوجود صفات أخلاقية
    لله وبأن الإنسان في كل مكان يدرك الطبيعة الإلهية ويحصل له اليقين في
    المعتقدات الدينية عن طريق الأخلاق والدين الطبيعي والحاجة المدنية إلى
    التدين من أجل تعزيز مشاعر المحبة وسبل التواصل بين الأفراد في المجتمع
    الواحد وبين المجتمعات المختلفة.

    والغريب
    أن كانط يقترح طريقين لمعرفة الله : الأول هو طريق الإيمان بالاعتماد على
    ما يكشفه الوحي من حقائق ومعارف وقصص ومبادئ. الثاني هو طريق المعرفة
    بواسطة البراهين والعلل وهي تعتمد على العقل.
    يميز
    كانط بين الاحتمالي والضروري في مجال المعرفة ويرى أن الاحتمالي يرتبط
    بأشياء العالم وأن الضروري يدرك بواسطة المفهوم ولا يقبل الاحتمال وحول
    معرفة الله يصرح ما يلي:" لهذا السبب لا يمكننا أن نقول البتة أنه من
    المحتمل أن يكون الله موجودا"[3]. ويبرر ذلك بأن الله موجود بالضرورة.

    يكشف كانط على ثلاثة مسلمات بديهية حول الإيمان الأخلاقي بالألوهية والتناسق الغائي للكون والسببية الربانية ويعبر عنها كما يلي:

    - في الله بوصفه سبب العالم

    - في الله بوصفه خالق العالم

    - في الله بوصفه سيد العالم

    لو
    استنطقنا مثل هذه الصفات لتبين لنا أن الله فكرة أخلاقية لا تستقيم الحياة
    البشرية دونها وأن وظيفة السببية تعني المعقولية والنظام ، وأما وظيفة
    الخالقية فتعني المنبع والوجودية، في حين أن وظيفة السيادة تعني العناية
    والمحكومية. كما أن الأفكار التوجيهية
    الثلاثة: الله والروح والعالم هي مسلمات العقل التأملي التي يبني عليها
    نسق المعرفة وذلك بالتأليف بين انطباعات التجربة الحسية ومقولات الذهن عن
    طريق خطاطات المخيلة.

    إذا
    كان مفهوم الدين عند كانط يعني:" شعورنا بواجباتنا من حيث كونها قائمة على
    أوامر إلهية"، فإن تصوره لله ينبني على اعتراف بالروح والملائكة والحرية
    الإنسانية وتحترم الشخص في إطار منظومة من الجزاء تعقلن الظاهرة الدينية
    وتقرا المسيحية من وجهة نظر أخلاق الواجب.

    في
    هذا السياق يصرح كانط:"إن الوسيلة التي يطرحها الله لتعويض ما ينقصنا حتى
    نستحق أن نكون سعداء تظل عندئذ سرا غير نخترق من قبل العقل الذي يخصنا"[4].
    فكيف يساهم احترام الواجب عن إرادة طيبة ونية سليمة في تحقيق الفعل
    الأخلاقي على الرغم من انه يؤجل مطلب تحصيل السعادة إلى العالم الآخر؟ وهل
    تخطي كانط فكرة الإله الضامن الديكارتية وفكرة الإله الحافظ
    الابستيمولوجية؟ وهل كان اقرب إلى اسبينوزا في نظريته حول وحدة الوجود
    والطبيعة-الله منه إلى فكرة لايبنتز عن التوافق البدئي والعدل الإلهي؟ لكن
    الإشكال الذي يظل عند كانط دون حل وألهم المفكرين بعده هو: ما مصدر وجود
    الشر في هذا العالم إذا كان الله طيبا وقادرا ومعتنيا به ؟

    المرجع:

    Kant, leçons sur la théorie philosophique de la religion, traduction par William Fink, livre de poche, librairie Générale Française, 1993.

    كاتب فلسفي
    ait hado
    ait hado
    محترف يفوق الخيال
    محترف يفوق الخيال


    الدولة : المغرب
    عدد المساهمات : 914
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 07/11/2010
    العمر : 32
    الموقع : https://amwage2020.ahlamontada.com
    المزاجhappy

    نظرة كانط الفلسفية للدين Empty رد: نظرة كانط الفلسفية للدين

    مُساهمة من طرف ait hado الجمعة 30 مارس 2012, 07:55


    الكونية و السلم عند KANT

    الكونية و السلم عند KANT


    عندما
    نعتبر أن حالة الطبيعة هي حالة حرب، نعتقد أن السلم ليس إلا نوعا من
    الهدنة بين حربين و كأن السلم ليس حالة طبيعية. و كانط لا يناقش و لا ينفي
    كون حالة الطبيعة هي حالة حرب و أن الإنسان شرير، و لكنه يقر بضرورة إقامة
    السلم. و على خلاف الحس المشترك يرى كانط أن السلم هو مشروع قابل للتحقيق،
    لا بمعنى تغيير جذري في الطبيعة الإنسانية بحيث نتحول من إنسان شرير إلى
    آخر خير، بل إن إنشاء الحق يمثل بالنسبة له خلاصا سياسيا للإنسان. ذلك إن
    كانط يرى أن السلم هو نتيجة للحق فلا يكون السلم إلا بتطبيق الحق، فالحق هو
    الذي يحدد التعايش السلمي بين الحريات إذ لا تكون شرعية إلا العلاقات،
    سواء بين الأفراد أو بين الدول، التي لا تقوم على العنف و إنما تقوم على
    الخضوع الحر لقانون مشترك.
    و من هذا المنطلق فإن السلم ليس مثاليا لا
    يمكن تحقيقه بل، إنه مطلب العقل ذاته، لذلك يتعلق الأمر بالنسبة لكانط
    بتحديد شروط إمكان السلم, شروط يجب إن تؤمن في ذات الوقت واقعيته و طابعه
    الدائم. لذلك يقدم "كانط" الشروط الحقوقية التي تجعل الحرب مستحيلة، و التي
    يمكن تلخيصها في ثلاث شروط أساسية:
    إقرار النظام الجمهوري باعتباره
    النظام الوحيد الذي يجعل الحرب غير محتملة لأنه يقتضي موافقة المواطنين،
    والمواطنون يخيّرون السلم والأمن على الصراع.
    التحالف الضروري بين
    الشعوب على مستوى عالمي، ذلك أن اتحاد الدول في كنفدرالية هو ما يضمن الأمن
    لكلّ دولة بحيث يكون من حقّ الاتحاد فرض السلم على الرؤساء الذين يريدون
    تضخيم قوّتهم.
    سنّ قانون سياسي كوني يحمي حقّ الغرباء حتى لا ترى الدّول
    في حضور الغرباء على أقاليمها فعل عدواني، وهو ما يعني دفاع كانط عن فكرة
    مواطنة عالمية، إذ أنّ الفرد يجب أن يتمتع بحقوق بطريقة مستقلة عن انتمائه
    الوطني والإقليمي.
    و يجب أن نلاحظ أن كانط يؤسس هذا الحق السياسي
    الكوني، أي الحق الذي ينظم علاقات مواطن دولة مع بقية العالم، على معاينة
    جغرافية فالأرض مستديرة والناس ينتهون بالضرورة إلى التلاقي. ومن هذا
    المنطلق فإن الأرض هي ملك مشترك للنوع الإنساني ولا أحد له الحق طبيعيا في
    أن يكون هنا أو هناك. و بالتالي فإن حق الضيافة يجب أن يُسند إلى كلّ
    إنسان، فكلّ مواطن له الحق في أن يُعامل معاملة سلمية. ذلك إن الحق السياسي
    الكوني عند كانط، هو حق العلاقات الحرة والتنقل الحر، وهو حق التجارة
    الحرة وحق العدالة في المعاملة وحق الهجرة. وهذا الحق يحدّد واجب كلّ الدول
    في ضيافة الغريب وفي عدم معاملته كعدوّ.
    وهكذا فإن الحق السياسي الكوني
    يدين غطرسة الدول الاستعمارية التي تخلط بين حق الزيارة وحق الغزو فتحتلّ
    الأراضي الأجنبية دون اعتبارٍ لحقوق متساكنيها. الحق السياسي الكوني هو
    أيضا إدانة لكل أشكال التخوف من الغريب التي تخلط بين الغريب والعدوّ وترى
    فيه خطرا كامنا ولذلك فإن تأسيس حق سياسي كوني يجعل من كلّ إنسان مواطنا
    للعالم لا مواطنا عالميا بمعنى تنكره لأصوله وثقافته ولكن إنسان منفتح على
    العالم، إنسان لا يتوقف وعيه بالمواطنة مع حدود بلده ولكن هذا الوعي
    بالمواطنة يتسع بحسب العالم كلّه.
    و يبرز كانط أن التاريخ الإنساني يقف
    إلى جانب السلم بما أن الحرب تتحوّل شيئا فشيئا في نظر الأفراد إلى شيء لا
    يمكن التسامح معه والمفارقة التي يحيل إليها كانط تتمثل في كون كثرة الحرب
    هي التي ستولّد السلم لذلك يحذّر كانط من خُطب المستبدين الذين يقرّون بأن
    الإنسان شرير جدا ولا يحترم الحق لتبرير الحرب. ذلك أنه من وجهة نظر "كانط"
    ما يجب على الإنسان فعله هو بالضبط ما يستطيع فعله وهو معنى الحرية
    الأخلاقية عنده. وإذا كان السلم الدائم يمثل خيرا مثاليا بما هو الخير
    الأسمى السياسي فإن الحق الكوني هو مطلب قابل للتحقيق في ظروف الإنسان
    الواقعية والفعلية، ذلك أن "كانط" يقيم نوعا من المماثلة بين الأفراد
    والدول في حالة الطبيعة فحالة الطبيعة هي حالة عدوانية وتنافس، هي حالة حرب
    تماما كما وصفها « هوبز". والأفراد ينشئون بالعقد الاجتماعي مجتمعا مدنيا
    يؤمّن العدالة بفضل الحق، والحق يؤمن في نفس الوقت التعايش السلمي بين
    الأفراد الذين يتنازلون عن حقهم في استخدام العنف لفائدة الحق، ويلاحظ
    "كانط » أن نفس الشيء يمكن أن يتحقق في مستوى الدول بالكيفية التي تجعل
    الدول تغادر حالة الطبيعة كحالة حرب عبر إنشاء مجتمع الأوطان أو حلف بين
    الأوطان تؤسس حالة الحق. يتعلق الأمر إذن، بعقد اجتماعي جديد يكون أعضاءه
    الدول ولكنه عقد لا يتعلق بالتخلي عن السيادة، وهو أمر غير معقول ولا يولّد
    غير الفشل، بل هو عقد يتمّ بالتنازل عن الحرب كضرب لحلّ المشاكل وبتأسيس
    الحق السياسي الكوني. وأمن الشعوب لا يؤمن بالقوة أو بقوانينهم الخاصة ولكن
    يؤمّن بمجتمع الدول وبالحق السياسي الكوني وهو ما يتحقق بالتدرج حسب
    "كانط" و السلم الذي لا يكون من الوهلة الأولى كونيا يصبح كذلك بالتجمع
    والاتحاد المتطور إذ تنخرط فيه الشعوب بتلقائية وبصفة متدرجة.
    ذلك هو
    الكوني كمطلب, الكوني الذي نظرت له الحداثة مع كانط غير إن كانط لم يأخذ
    بعين الاعتبار أهمية العامل الاقتصادي في نشأة أو اندلاع الحروب, لم يأخذ
    بعين الاعتبار أهمية الايدولوجيا كمؤسس للتحالفات في الحرب و اكتفى بمناشدة
    الإرادة الخيرة للسياسيين, و قام بنداء للعقل لنصرة الحق و لكن هذا النداء
    لم يتم الاستماع إليه حيث نلاحظ اليوم تعدي أمريكا على سيادة الشعوب و
    الدول باسم الكوني المعولم. كانط أيضا لم يتبين أهمية المسارات اللاواعية
    في ظهور العنف وهو ما تفطن له "فرويد" في نظرية الكبت و هذا يعني إن نظرية
    السلم أكثر تعقيدا مما تصورها كانط, لا لأن مسألة السلم مسألة لا حل لها و
    لكن هي مشكل يقتضي فهما أكثر تجذرا مما كان يتوقعه كانط, ومهما تصورنا
    الحلول فان سن قوانين لا يكفي لحل المشاكل و لحل الصراعات الإنسانية, ذلك
    ما تترجمه العولمة اليوم التي تدعي أنها تحقق الكوني كمطلب إنساني نظرت له
    الحداثة، فإذا بالشعوب تفقد أصالتها الثقافية، و إذا بالقوانين تأول وفق
    مصالح الإمبريالية باسم الكوني.
    ait hado
    ait hado
    محترف يفوق الخيال
    محترف يفوق الخيال


    الدولة : المغرب
    عدد المساهمات : 914
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 07/11/2010
    العمر : 32
    الموقع : https://amwage2020.ahlamontada.com
    المزاجhappy

    نظرة كانط الفلسفية للدين Empty رد: نظرة كانط الفلسفية للدين

    مُساهمة من طرف ait hado الجمعة 30 مارس 2012, 08:23

    شكالية ترجمة المفهوم السوسيولوجي: بين الالتزام العلمي والتأثير الاديولوجي. نموذج مفهوم"Habitus""
    كتبهـا :

    صلاح لعريني - بتــاريخ :

    8/5/2011 6:07:46 PM, التعليقــات :

    2


    تقديـــــم:



    ما دامت المعرفة كونية بطبعها، و العلم لا حدود له ولا وطن،لا دين له ولا
    هوية، فإن الترجمة تبقى القاطرة التي يتنقل بواسطتها هذا العلم من قطر
    لآخر، ومن ثقافة لأخرى، بل من حضارة لأخرى ومن حقبة تاريخية لأخرى؛ وهكذا
    لعبت الترجمة عبر التاريخ دورا كبيرا في نقل المعارف والثقافات بين الشعوب،
    من عهد ما قبل اليونانيين، إلى يومنا هذا. وبفضلها تحاورت الشعوب
    والحضارات وعرفت بعضها البعض.




    وإذا رجعنا إلى تاريخنا العربي، وخاصة العصر الذهبي منه،عصر المأمون الذي
    ازدهرت فيه الترجمة واحتلت مكانة رفيعة، وبفضلها اضطلع العرب على كتب
    وفلسفة وعلوم اليونان، وغيرها من الحضارات (الفرس،الرومان،الصين، الهند...)
    وهكذا كانت للترجمات التي قام بها كبار الفلاسفة العرب ك"ابن سينا "
    و"الفارابي" " ابن رشد""ابن طفيل" دورا كبيرا في ازدهار الحياة الثقافية
    والعلمية في الحضارة العربية آنذاك، والتي كانت تتزعم الحضارات الكونية.
    وبفضل الترجمة صارت الفلسفة ترجمة في جوهرها، والترجمة فلسفة بطبيعتها.




    وحتى لا نبقى على الأطلال نبكي ونرثي مجد حضارتنا العربية، فإن الواقع
    الحالي للترجمة في العالم العربي يعيش أزمة خانقة، بفعل الركود الثقافي
    والتخلف الاقتصادي الذي نعيشه في عصرنا الحالي،الذي يميل إلى الكونية
    والكوكبة في إطار ما يسمى بالعولمة والتنافس الاقتصادي والصراع الثقافي بين
    الحضارات أو بلغة "صاموائيل هنتكنتون" صدام الحضارات".




    في ظل هذا العصر، الذي يمكن أن نعنونه بعصر الثقافة والمثاقفة الحضارية
    بين شعوب العالم، وبعصر الثورات الاتصالية والتواصلية،وبعصر الصورة
    والإعلام،أصبح المجتمع العالمي يسير في سياق بناء ثقافة عالمية موحدة
    وكونية لا تؤمن بالإختلاف والتعدد، بل بالمثاقفة وتذويب الهويات المحلية
    والوطنية وتغريبها و( أمركتها) وجعلها قادرة على مواكبة حاجيات ومتطلبات
    الثقافة الاستهلاكية للسوق الاقتصادية والإعلامية والثقافية. في ظل سيادة
    هذا الواقع، تبقى الترجمة هي الأداة الوحيدة والسلاح القويم، لتفكيك هذه
    البنيات التواصلية المصاحبة للثورة الاتصالية العالمية،ومواكبة مستجدات
    الحداثة والتحديث، وبذلك فان الترجمة هي التي تبني التواصل بين الجماعات
    البشرية المختلفة، وتحدث التفاعل بينها، سواء أكان هذا التفاعل اقتصاديا أو
    ثقافيا أو اجتماعيا. فالترجمة هي البوابة التي تعبر منها الذات،إلى الآخر،
    ويقتسم الآخر الذات التي لا يمكننا أن ندركها إن لم نعرف الآخر. وفي الأخر
    يتعدد الأنا.
    [1]




    غير أن هذا لا ينبغي أن لا يتم على حساب الثقافة الوطنية واللغة الأصل. بل
    من خلال جعل هذه اللغة قادرة على فرض مكانها داخل شبكة التواصل العالمي،
    وذلك من خلال جعل الترجمة أداة لنشر هذه الثقافة واللغة، التي لا يمكن
    الفصل بينهما بأي حال من الأحوال. وكذلك الشأن بالنسبة للفكر الذي لا يمكن
    أن يتطور بمعزل عن هذين المكونين (اللغة والثقافة) . وبذلك لا يمكن تصور
    نهضة ثقافية عربية وتنمية وحداثة عربية خارج الثقافة واللغة والفكر .




    وفي ظل التبعية الشبه الكاملة للنزعة الغربية التي لم تنجى منها اللغة
    بدورها بعدما طالت الاقتصاد والسياسة والمعرفة والثقافة...وهكذا فإذا كان
    الواقع التبعي يقل حضوره في بعض المجالات المعرفية من أدب وفنون
    وعلوم...فإن حضوره في العلوم العربية الاجتماعية والفنية قائم الذات بشكل
    قوي،إلى درجة يمكن القول معها أن كل ما أنتجه الباحثين العرب في هذه العلوم
    والسوسيولوجيا واحدة منها، ما هو في واقع الأمر إلا ترجمة ونقل عن العلوم
    الاجتماعية الغربية التي تدين لها السوسيولوجيا العربية بالكثير.




    وما دام واقع التبعية المعرفية قائم في مجال علم الاجتماع العربي في
    علاقته بعلم الاجتماع الغربي، فإن الترجمة تصبح هي الأداة التواصلية
    الوحيدة في نقل هذه العلوم من مجتمع لآخر، ومن ثقافة لأخرى. وإذا كنا نسمع
    عن أزمة السوسيولوجيا العربية التابعة، فإن الأزمة في واقع الأمر هي أزمة
    ترجمية وأزمة مترجمين، بالإضافة إلى أزمة واقع موضوعي في العالم العربي
    الذي يرتبط من جهة بواقع البحث العلمي المهمش، ومن جهة أخرى بخصوصية
    السوسيولوجيا وتميزها بطبيعة خاصة من حيث شبكتها المفاهيمية ومناهجها
    ومقارباتها، التي يطرح صعوبة للمترجم. بحيث ليس أي متمرس على الترجمة قادر
    على ترجمة ونقل وكتابة النص السوسيولوجي الذي يتكلم لغة خاصة به، ولها
    قواعدها وشروطها الخاصة،والتي لا يمكن أن يعيبها إلا المتخصص فيها والمتطلع
    على خباياها(....)، وعدم توفر هذه الشروط في بعض المترجمين العرب لبعض
    الكتابات السوسيولوجية الغربية، إلى اللغة العربية جعل السوسيولوجيا
    العربية المترجمة ركيكة ومغبونة، وتعاني من الخيانة وفراغ المعنى، إلى درجة
    يستعصى فيها على الباحث السوسيولوجي العربي ، استيعاب مضامينها ، مما
    يضطره في كثير من الأحيان الرجوع إلى الكتابات والنصوص الأصلية لها، حيى
    يعرف القصد من ورائها.



    ولعل خير دليل على هذه الترجمات غير الأمينة والخائنة للنص الأصلي، تلك الترجمات التي حاولت أن تترجم بعض كتابات بيير بورديوPIERRE BOURDIEU" "
    السوسيولوجية، المستعصية على الفهم ، نظرا لكون خصوصية نظرية بورديو
    البنيوية التكوينية تكمن في بنية جهازه المفاهيمي المركب والمعقد، إلى درجة
    يمكن القول معها أن معرفة واستيعاب إنتاجات بورديو السوسيولوجية يتوقف إلى
    حد كبير على إستعاب ومعرفة شبكته المفاهيمية الخاصة، التي تتميز بسعة
    الخيال والأفق السوسيولوجي بلغة رايت ميلز
    W.MILLES"".[2]

    وهكذا،
    فإن محاولتنا هذه المتواضعة، نتطلع من خلالها قدر الإمكان على إثارة
    إشكالية ترجمة المفهوم السوسيولوجي، الذي يمتلك حياة وشخصية خاصين به على
    حد تعبير جيل دولوز"
    "J.DOULOUZ ، وقوة تكمن في سيرورة تشكل بنياته الإبستيمولوجية والدلالية في علاقتها بالأطر الاجتماعية للمعرفة، حسب تعبير جورج غوروفتش"G.GHOUROVITCH"[3]، ومن خلال علاقتها كذلك بالواقع الاجتماعي المعاش ، الذي ينبغي خلق قطيعة إيبيستيمولوجية "rupture épistémologique"معه، حسب غاستون باشلارد"G.BACHLARD"[4]، لأنه يشكل عائقا إبيستيمولوجيا"lobstacle épistémologique "
    أمام بلوغ المعرفة العلمية، لأن المفهوم المتداول والشائع والمألوف في
    اللغة العامية المعاشة والمتداولة، هو مفهوم ضبابي وغامض يحجب الرؤية
    العلمية عنا للظاهرة أو الفعل الاجتماعي الذي يعبر عنه. لذلك فإن البناء
    العلمي للمفهوم السوسيولوجي تكمن في مدى قدرة الباحث السوسيولوجي على
    تحويله من مفهوم معطى ومتداول في الواقع الاجتماعي المعاش إلى مفهوم مبنى
    ومؤسس علميا بشكل يكون فيه قادرا على تقديم الواقع الاجتماعي موضوع اشتغاله
    في صورته الحقيقية، وذلك من خلال تفكيك المفهوم المتداول والعامي والصوري
    إلى أبعاد ومكونات ثم متغيرات ومؤشرات حتى يتحول إلى مفهوم علمي، وتتحول
    لغته من لغة عامية إلى لغة قرينية
    langage indiciel ""،من خلال ترجمة المفاهيم إلى قرائن إختبارية la traduction des concepts en indices""[5] .


    كل هذه الصعوبات التي ترجع إلى خصوصية المفهوم السوسيولوجي طرحت ولا زالت
    تطرح العديد من الإشكالات النظرية والمنهجية على المستويين الإبستيمولوجي
    والإيديولوجي،التي من بينها إشكالية التداخل بين ما هو ذاتي وما هو موضوعي
    في ترجمة ونقل المفهوم السوسيولوجي من لغة لأخرى، وحتى داخل نفس اللغة تطرح
    إشكالية إيديولوجية المؤول وذاتيته، التي تنعكس في عملية تأويله وترجمته
    وبنائه لهذا المفهوم. إذ أن تفكيك المفهوم وإعادة بنائه بلغة جاك ديريدا
    J.Diridah"
    " ليست بالعملية السهلة بل هي ممارسة فلسفية في حد ذاتها.

    v إذن فأين تكمن هذه الخصوصية؟

    v وما هي طبيعة الصعوبات التي تطرحها للمترجم؟

    v وهل هناك بالفعل خصوصية للسوسيولوجيا ينبغي الالتزام بها؟

    v كيف يمكن ترجمة المفهوم السوسيولوجي؟

    v وهل للسوسيولوجيا لغة خاصة بها؟

    v وإلى أي حد يمكن القول أن الترجمة في الحقل السوسيولوجي هي سوسيولوجيا في حد ذاتها؟

    v إلى
    أي حد يمكن للسوسيولوجيا العربية أن تستقيم بذاتها وتستمر في العطاء
    والإنتاج والتفكيك ومسائلة الواقع الاجتماعي موضوع اهتمامها، بمعزل عن
    الترجمة للسوسيولوجيا الغربية التي هي بمثابة تلك الشرايين التي تضخ الدم
    وتزرع الحياة في كنهها؟


    v ماهي الخصوصيات السوسيولوجيا والإبيستيمولوجيا للجهاز المفاهيمي البورديوزي؟

    v أين تكمن هذه الخصوصية في مفهوم الهابتيوس habitus"" البورديوزي؟

    v وما هي حدود العلاقة بين الذاتي و الموضوعي في ترجمة المفهوم السوسيولوجي؟

    v هل ينبغي أن يلتزم مترجم المفهوم السوسيولوجي بإيديولوجيته أم بإيديولوجية المؤلف،أم بخصوصية السوسيولوجيا في حد ذاتها؟

    v هل هناك ترجمة كاملة للمفهوم؟

    v ما موقع التأويل داخل سياق ترجمة المفهوم السوسيولوجي؟

    بالفعل
    إن كل هذه الأسئلة،بل الإشكالات، تتعالى عن عرضنا هذا البسيط الذي لا
    يمكنه أن يحتويها وأن يقدم عنها إجابات مشفية. وتامة لأنه ليس في عداد
    قواها، لذلك كان الغرض الأساسي من طرح كل هذه الإشكالات،هو جعلها أفقا
    للتفكير والتأمل السوسيولوجي بلغة الفن غولدنر
    "A.Goldner" في واقع السوسيولوجيا العربية المترجمة.






    ait hado
    ait hado
    محترف يفوق الخيال
    محترف يفوق الخيال


    الدولة : المغرب
    عدد المساهمات : 914
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 07/11/2010
    العمر : 32
    الموقع : https://amwage2020.ahlamontada.com
    المزاجhappy

    نظرة كانط الفلسفية للدين Empty رد: نظرة كانط الفلسفية للدين

    مُساهمة من طرف ait hado الجمعة 30 مارس 2012, 08:24


    المحور الأول : الترجمة في السوسيولوجيا بين الالتزام العلمي وإيديولوجية المترجم.





    إنه لمن الصعب جدا الحديث عن التزام علمي - بمعناه السائد في مجال العلوم
    الطبيعية – في مجال العلوم الاجتماعية، التي هي علوم مشحونة بالتأثيرات
    الاديولوجية، وخاصة منها السوسيولوجيا. فبالأحرى الحديث عن التزام علمي
    وأمانة علمية في ميدان الترجمة خاصة في الحقل السوسيولوجي، نظرا لكون
    الترجمة هي في واقع الأمر فعل ذاتي لمترجم له خياراته الخاصة ولغته الخاصة
    وخياله الخاص وتأويله الخاص بل واديولوجيته الخاصة
    [6]...كما
    أن طبيعة المفهوم السوسيولوجي التي تتسم بالتعقيد والتركيب، هي الأخرى
    تجعل من مسألة الترجمة العلمية الآمنة والصادقة، أمرا صعب التحقق.



    وقبل الحديث عن إشكالية التداخل بين الذاتي والموضوعي في عملية الترجمة في
    الحقل السوسيولوجي، قبل الحديث كذلك عن مسألة الالتزام العلمي بخصوصية
    النص السوسيولوجي وإيديولوجية التأويل الذاتي للمترجم. لابد من الوقوف عند
    مفهوم الترجمة. إذن فما هي الترجمة؟




    1- تعريــف التــرجمة:



    لقد تعددت التعاريف المقدمة لمفهوم الترجمة كفعل إبداعي، بتعدد المجالات
    والحقول المعرفية(اللسانيات،علم الترجمة،العلوم الإنسانية، علم الآداب...)
    لذلك من الصعب جدا الحديث عن تعريف واحد لمفهوم الترجمة، فأي تعريف للترجمة
    لا بد أن يتسع ليشمل جدلياته الحية وآفاقه المتعددة كفعل إبداعي ونشاط
    لغوي، وضرورة حضارية وموقف إيديولوجي
    [7].


    وبالإضافة إلى كونها مصدرا هاما في عملية التواصل الإنساني، وفي ربط الأنا
    بالأخر المغاير، فإنها موقف إيديولوجي، يقوم على اعتبار أن النص المترجم
    ينتمي إلى ثقافة بعينها، ولرؤية محددة،إلى العالم وبالتالي فإن عملية نقل
    النص وترجمته لا بد وأن تتأثر بإيديولوجية الترجمة ومواقفه وتصوره للعالم.


    وعموما، يمكن تعريف الترجمة حسب جان ديبوا J.Dubois 1973 p:490"" بأنها عملية التعبير في لغة (اللغة الهدف) عما تم التعبير عنه في اللغة الأصل مع الاحتفاظ بالتكافؤات الدلالية والأسلوبية".


    ويمكن كذلك تعريف الترجمة "بأنها عملية نقل نص معبر عنه في لغة (اللغة
    المصدر) إلى لغة معبر عنه في لغة أخرى (اللغة الهدف) دون تغيير المعنى
    الدلالي".
    [8]


    وإذا عدنا إلى مجال السيميائيات، نجد أن الترجمة عندها خاصة رواد مدرسة
    البريز السيميائية الذي يعتبر فيها جوليان جيرماس وجها بارزا، فتعني
    التفكيك والترميز"
    décodage et encodage
    " الذي يتم من خلاله فك شفرة النص الأصلي"décodage du texte original
    وهي عملية ذهنية تتجلى في ربط كل عنصر من العناصر اللغوية المكونة للنص
    الأصلي المعبر عنه في اللغة الأصلية(اللغة المصدر) بمرجعه الخارج اللغوي"
    référent extra-linguistique" الذي ينتمي للواقع الخارج اللغوي. أما عملية الترميز"encodage"
    فهي عملية ذهنية معاكسة لعملية التفكيك، وتتجلى أساسا في ربط المراجع
    الخارج اللغوية الناتجة عن التفكيك بالعناصر اللغوية الملائمة المعبر عنها
    في اللغة الهدف.



    ويشترط في عملية الترميز هاته أن تتم بكل الدقة والاحتياط، وذلك بالانتباه
    لوضعية الكلمة في النص (السياق النصي) وفي مقام النطق "
    contexte dénonciation
    "، فكلمة محيط مثلا قد تحيل على جزء من البحار مثلا المحيط الأطلسي، ويكون ترميز هذا المرجع اللغوي هو océan" ونفس الكلمة قد يؤدي فك شفرتها إلى الإحالة على وسط معين أو بيئة معينة يرمز إليها في اللغة الهدف (اللغة الفرنسية)،"milieu " وكذلك ب"environnement"[9].


    إن هذا التعريف السيميائي الجديد للترجمة ينسجم تمام الانسجام مع ما جد في
    ميدان اللسانيات المعاصرة، ويبين أن الترجمة هي ترجمة انعكاسية"
    Meta traduction
    " التي تنبني على أسس اللسانيات المقارنة""linguistique comparée" التي تستمد جذورها من اللسانيات المعاصرة.[10]

    ومن
    الأمور الثابتة في الترجمة الانعكاسية، انه لا يمكن الحديث ترجمة شاملة
    وموحدة كقاعدة تستوعب كل اللغات، بحيث يبقى ذلك مجرد وهم لامرجع له في
    الواقع، لأن الترجمة الانعكاسية تقوم بالأساس على قاعدة لغتين( اللغة الهدف
    واللغة المصدر).


    وإذا رجعنا إلى التصنيف الجاكوبسوني للترجمة، الذي يقوم على أساس المعلمة اللغوية"repérage linguistique "، الذي يعتبر فيه أن معنى الكلمة ما هو إلا ترجمتها بعلامة ثانية، أكثر تفصيلا أكثر إظهارا لهذا المعنى"(R.JACOBSON. 1963.p:79).


    فكلمة" أعزب"مثلا، يمكن استبدالها بالعبارة التعريفية "شخص غير متزوج"،
    كما يمكن استبدال كلمة "جبن "بالعبارة التعريفية التالية:"غداء يتم الحصول
    عليه بتخمير الحليب المختر"،وعلى إثر استعراض هذين المثالين المعاريين :
    الأول من بييرس"
    Pierce
    " والثاني من برتراند راسل". "B.Rassel صنف جاكوبسون الترجمة إلى ثلاثة أصناف(R.JAKOBSON.1963.p:79) هي كالتالي:

    1- الترجمة الترديديةTraduction intralinguael ""، وهي تأويل علامات لغوية بعلامات لغوية أخرى من نفس اللغة.

    2- الترجمة البيلغوية"Traduction interlinguale "، أو الترجمة الحقة وهي تأويل علامات لغوية تنتمي إلى اللغة المصدر بعلامات لغوية أخرى تنتمي اللى اللغة الهدف.

    3- الترجمة البيسيميائية"Traduction intersémiotique"، وهي تأويل علامات لغوية تنتمي للغة معينة بعلامات تنتمي لنظام علاماتي غير لغوي.


    وعموما، يمكن القول حسب جاكبسون، أن هناك صنفا واحدا من أصناف الترجمة،
    وهي الترجمة البيسيميائية، كما أن هناك معيارا واحدا لسلامة الترجمة، وهو
    تكافؤ المعنى الدلالي للسيميائية الأصلية ( النص الأصلي) مع المعنى
    الدلالي للسيميائية الهدف(النص المترجم مثلا)، أما الترجمات من قبيل
    الترجمة الحرفية والترجمة التأويلية و الترجمة البيداغوجية و الترجمة
    المعنوية و الترجمة المعنوية...وغيرها ما هي إلا قضايا بلاغية يقتضيها
    السياق اللغوي والمقام الاجتماعي والهدف التداولي للمترجم، الذي يسعى إلى
    تبليغ مضامين النص الأصلي للفئة المخاطبة.
    [11]



    2- التـرجمة وخيانـة النــص الأصلي:





    مهما حاول المترجم الحرص على نقل النص بكل أمانة وصدق علميين، فإنه لن
    يستطيع، لأنه بمجرد نقل النص من نظام لغوي لآخر ومن بيئة الأخرى، فإن
    العديد من معاني هذا النص ودلالاته المعرفية واللغوية سوف تضيع من دون شك،
    لان الفكرة المعبر عنها مباشرة في النص الأصلي ، ليست هي الفكرة نفسها بنفس
    المعنى والدلالة في النص المترجم، بل الأكثر من ذلك فان التعبير عن نفس
    النص وبنفس اللغة داخل نظام لغوي موحد، بصيغ وتعابير لغوية مختلفة، قد يجعل
    من أبعاده الدلالية تختلف ويتم استيعابها بطرق مختلفة من طرف الفئات التي
    يخاطبها النص .



    وهدا راجع بالأساس إلى كون الترجمة ليست مجرد نقل ميكانيكي من لغة لأخرى،
    بل هي عملية تأويل وتصرف، وهي أيضا نقل نص من بيئة إلى غيرها ومن دنيا إلى
    دنيا، من رؤية لأخرى قد تختلف جذريا عن الأولى، وإن شئتم من تاريخ إلى
    تاريخ، فالترجمة كأي فعل ثقافي أخر، تستدعي الفعاليات الثقافية كلها(...)
    وبذلك فالترجمة في صيغتها الأعم هي تحويل الذات وواقعها إنسانية كانت أم
    قومية أم فردية لكل منها دلالتها.
    [12]


    ومن خلال عملية تواصل المترجم مع النص المترجم، فان هذا لا يعني أن
    المترجم يتواصل مع كلمات وجمل وعبارات فارغة من أي معنى وجافة ومجردة من
    الانتساب لأي ثقافة وأي بيئة اجتماعية، بل على العكس من ذلك ، فان عملية
    التواصل هاته تكون متعددة الأبعاد وتتم على أكثر من مستوى، مما يطرح عدة
    صعوبات بالنسبة للمترجم ، الذي لا يمكنه أن ينقل بكل صدق وأمانة علميين
    محتوى لغوي معين من نظام لغوي لآخر، مهما وهم نفسه بذلك.



    وهكذا، تطرح الترجمة العديد من الإشكالات للمترجم في الحقل السوسيولوجي،
    الذي يتميز بخصوصية نظرية ومنهجية و ابيستيمولوجية ، عن غيره من الحقول
    المعرفية الأخرى، وهذه الخصوصية التي يتميز بها الخطاب السوسيولوجي ترتبط
    بطبيعة المواضيع التي يشتغل عليها وكذلك طبيعة المفاهيم السوسيولوجية التي
    تتسم بالتعقيد والتركيب وتعدد الأبعاد والمكونات والمتغيرات والمؤشرات
    التي تتضمنها... كل هذا يجعل عملية ترجمة المفهوم السوسيولوجي ليست
    بالعملية السهلة التي يمكن أن يقوم بها أي كان، بل لابد من توفر الحد
    الأدنى من المعارف السوسيولوجية بالنسبة للقائم بالترجمة، حتى تكون ترجمته
    مقبولة سوسيولوجيا.



    وغياب هذه الشروط في عملية الترجمة، معناه أن الترجمة سوف تكون خائنة للنص
    الأصلي ومضللة، لأن الترجمة كما سبقت الإشارة ليست مجرد تقنية." ومن يقول
    أن الترجمة عملية تقنية، فإنما يلحق بدافع الأمانة الزائدة بالنص اكبر ضرر
    ويؤدي في غالب الأحيان إلى تشويهه، خاصة إذا كان النص ينتمي إلى مجال
    العلوم الإنسانية".
    [13]


    وبذلك فان الترجمة ليست نقلا بسيطا للنص أو مرآة عاكسة له، أو استنساخا
    محضا لمضمونه، وإنما هي إعادة إنتاج النص وتجديده وتحويله وتطويره وتأويله
    بحسب قدرات المترجم، لأنها ترتبط بفهم المترجم للنص وتأويله وتطويعه للغة
    المتلقية لاستيعاب مفاهيم النص ودلالاته ، فالترجمة عملية حوار بين المؤلف
    الذي أنتج النص الأصلي والمترجم الذي يعيد إنتاجه على الرغم من المسافة
    الزمانية والمكانية بينهم، والترجمة كذلك هي عملية حوار بين لغتين بالإضافة
    إلى كونها أداة حوار وتواصل بين ثقافتين، وكل حوار فعال يؤدي إلى تغيير
    وتبديل في مواقف المتحاورين، ولهذا ينتج عن عملية الحوار من خلال الترجمة
    بين لغتين إلى تغيير في مفاهيم اللغة المنقول منها وتطوير وزيادة وتأويل
    ونقصان في اللغة المنقول إليها، في مفرداتها وتراكيبها ودلالاتها
    وأساليبها، بالإضافة إلى استيعابها لمفاهيم جديدة.
    [14]


    وبذلك، يبقى من الصعب جدا الحديث عن ترجمة جيدة وغير خائبة للنص الأصلي،
    ما دامت مهمة الترجمة هذه تبقى مهمة عسيرة وتتسم بالخيانة، خيانة الأمانة
    وخسران الكثير من معالم النص الأصلي، فالمترجم خادم له سيدان وعليه
    إرضاؤهما في آن واحد، وهذا أمر عسير، ويمكن وصف المترجم بأنه وسيط في وضع
    غير مريح، يتوسط بين طرفيين، وكل منهما مؤلف من عدد من العناصر، فالطرف
    الأول: المؤلف وعمله، واللغة الأصلية، في حين أن الطرف الثاني يتكون من
    القارىء واستيعابه واللغة المستقبلة، ويتوجب على المترجم أن يحضر المؤلف
    إلى القارىء ويحضر القارىء إلى المؤلف كما يقول بول ويكور، والمترجم في
    وساطته هذه يقابل بمقاومة من طرف القارىء الذي على المترجم إقناعه بنجاعة
    الترجمة وسلامتها، كما يقابل بمقاومة من طرف اللغة المتلقية وسياقها
    الثقافي وعلى المترجم تطويعها وتليينها دون أن يكسر عظمها فيجبرها وتبدو
    عليها الضمادات.
    [15]


    ait hado
    ait hado
    محترف يفوق الخيال
    محترف يفوق الخيال


    الدولة : المغرب
    عدد المساهمات : 914
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 07/11/2010
    العمر : 32
    الموقع : https://amwage2020.ahlamontada.com
    المزاجhappy

    نظرة كانط الفلسفية للدين Empty رد: نظرة كانط الفلسفية للدين

    مُساهمة من طرف ait hado الجمعة 30 مارس 2012, 08:27


    3- الذاتية الموضوعية في الترجمة:




    تبقى جدلية الذاتي والموضوعي حاضرة بقوة داخل كل الانتاجات المعرفية التي
    ينتجها الإنسان، خاصة منها التي .....على الإنسان كموضوع لدراستها، إلى
    درجة يمكن القول معها بأن إشكالية الذاتية والموضوعية هي من بين أكبر
    الإشكالات الابستيمولوجية الكبرى التي جعلت العلوم الإنسانية بصفة عامة
    تعيش أزمة البحث عن ذاتها الإبستيمية بالمقارنة مع باقي العلوم الطبيعية
    الأخرى التي هي في وضع علمي تحمد عليه.



    وإذا كان هذا هو حال العلوم الإنسانية بصفة عامة، فإنه لا يمكن إستثناء
    الترجمة من هذه القاعدة، بحيث أن الترجمة كما سبق وأن أشرنا إلى ذلك ليست
    هي مجرد عملية نقل نص من سياق ثقافي معين ون نظام لغوي معين إلى أخر، بل هي
    عملية صراع ثقافي قبل أن تكون عملية صراع لغوي وهي في الوقت نفسه عملية
    صراع إيديولوجي غير أن تكون عملية صراع معرفي، وهي تأويل قبل أن تكون
    نقل...أو بصيغة أكثر جلاء فهي أدلجة النص المترجم وتأويله، وهي صراع بين
    إيديولوجية المترجم وإيديولوجية المؤلف، بحيث المترجم هو إبن وطن ومجتمع
    ما، ومؤمن بقيمه وثقافته، وكذلك الشأن بالنسبة للمؤلف، ومن الطبيعي أن
    تنعكس البناءات الإيديولوجية التي يتحملها المترجم على ترجمته والمؤلف على
    مؤلفه.



    وهكذا فإن الترجمة ليست فعلا عفويا، أو ظاهرة محايدة، إنها اختيار حضاري
    يدل على موقف إيديولوجي محدد، سواء بالنسبة إلى موضوع النص المترجم أو
    الطبقة التي ننقل بها من لغة لأخرى(...)هو ما يجعل لإيديولوجية الترجمة
    دورا حيويا في توضيح الأهداف الكامنة وراء أنشطتها، أو الغايات التي تسعى
    إلى تحقيقها (...) ومن هنا يمكن تفسير أسبقية ترجمة التراث المنطقي لأرسطو
    على ما عداه من علوم فلسفية وطبيعية ورياضية في عصر المأمون، حيث حاجة
    التطور في مسيرة الفكر العربي الإسلامي قد دعت إلى الأخذ به، ومن هنا يمكن
    كذلك تفسير طبيعة الترجمات التي قدمها أغلب أعضاء البعثات العلمية التي
    أوفدها "محمد علي" والتي ركزت على أفكار القرن السابع عشر والثامن عشر
    لأوروبا البرجوازية ، ولم تتعرض للتعريف لأروبا الثورية، في الوقت التي
    كانت فيه الرأسمالية تدخل مرحلة الانتقال إلى النظام الاحتكاري وتتهيأ
    للصراع على المستعمرات، وهو ما أدى بأعضاء هذه البعثات إلى الإحساس بنوع من
    الغربة حينما رجعوا إلى بلدانهم
    [16].


    ويمكن ملاحظة التأثير الإيديولوجي في الترجمة، حتى على مستوى اختيار
    المادة المترجمة، التي تتدخل فيها العديد من الدوافع الذاتية والموضوعية
    التي تكون لها علاقة وطيدة في أغلب الخيارات الإيديولوجية للمترجم، وهذا ما
    يمكن تفسيره مثلا بالحركة القوية للترجمة في مرحلة الستينات والسبعينات؛
    بحيث ترجمة العديد من الكتابات الماركسية الكبرى عن التراث الفلسفي
    والاجتماعي والسياسي والاقتصادي الغربي ، ويمكن تفسير دلك بتأثير الحركات
    الاجتماعية العربية خلال هذه المرحلة بالمد الشيوعي الذي كان مساندا للتحرر
    القومي لكل الشعوب التي كانت قابعة تحث التوسع الإمبريالي للدول
    الرأسمالية.



    هكذا فإن الحديث عن ترجمة موضوعية، يبقى أمرا غير واردا تماما خاصة في
    مجال العلوم الاجتماعية، التي هي في الأصل علوم مشحونة بالتوجهات
    الاديولوجية، فكيف إذن يمكن الحديث ترجمة علمية تحضر فيها الموضوعية بشكل
    أكثر نسبة من الذاتية، وهذا الوضع المزمن للترجمة في العلوم الاجتماعية،
    يرجع بشكل أساسي إلى طبيعة لغة هذه العلوم التي تتميز بالخصوصية والتعقيد،
    من حيث مفاهيمها ومناهجها ورؤيتها العلمية، التي لايمكن فهمها وإستعابها
    والتفاعل بشكل جيد معها إلا من طرف المتخصصين في ميدان العلوم الاجتماعية ،
    الذين بإمكانهم ترجمة محتويات بعض الكتابات السوسيولوجية مثلا ونقلها من
    لغة لأخرى ومن سياق ثقافي لأخر ، بشكل يحترم الحد الأدنى من الشروط العلمية
    في عملية الترجمة .


    وللوقوف على صعوبة الترجمة في الحقل السوسيولوجي ، سوف نقف عند مفهوم الهابتوس( السمت:habitus
    الذي أخذناه كمثال لتوضيح إشكالية ترجمة المفهوم السوسيولوجي ، ولم يكن
    اختيارنا لمفهوم الهابيوس من قبيل الصدفة والعبث ، بل كان وراء هذا
    الاختيار أكثر من مبرر لعل أهمها أولا الصعوبة التي تطرحها عملية ترجمة
    الإنتاج السوسيولوجي البورديوزي ومفاهيمه الأساسية، خاصة منها مفهوم
    الهابتوس. ثانيا خصوصية مفهوم الهابتوس ، ومكانته المركزية في الإنتاج
    السوسيولوجي المعاصر، وأهميته العلمية في فهم البنيوية التكوينية لدى بيير
    بورديو، التي يعتبر مفهوم الهابتوس براديكما ومدخلا نظريا أساسيا لفهمها.
    هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن أهميته العلمية تكمن كذلك في كونه يشكل أداة
    تحليلية أساسية لفهم سلوك الفاعلين الاجتماعيين حسب انتماءاتهم الطبقية
    وأصولهم الاجتماعية.








    المحور الثاني: إشكالية ترجمة مفهوم الهابتوس ."habitus"




    في البداية لابد من الإشارة إلى أن لفظ الهابتوس[17].يرجع إلى اصل يوناني ((hexis)، و منه ترجم إلى اللاتينية بكلمة (habitus) كما اثبت كلود ديبار[18] (CL.Dubar).
    و يعني هذا اللفظ الحالة التي يكون عليها الشخص عادة، كما يشير في معناه
    الواسع إلى مجموع الاستعدادات القارة التي تتدخل فيها عناصر الطبيعة
    والثقافة، وكان أرسطو يشير بهذا اللفظ إلى "استعدادات الروح والجسم
    المكتسبة "
    [19]
    واستعملها دوركايم بمعنى لا يختلف كثيرا عن هذا السياق عندما قال :" توجد
    في كل منا حالة داخلية تنبثق منها الحالات الأخرى (...)، إنها عبارة عن
    استعدادات عام للفكر وللإرادة التي تجعلنا نرى الأشياء على نحو ما". وكان
    دوركايم يعتقد أن التربية من شأنها أن تساهم في صقل هذا الكيان الداخلي
    للفرد، وان تجعله يندمج ويتوافق مع سياقه الاجتماعي، وكان دوركايم يقصد
    بالهابيتوس ذلك القهر الاجتماعي الذي يمارس على الفرد، أما بالنسبة لمارسيل
    فقد أعطاه معاني العادة أو الشيء المكتسب.


    وقد
    بعث بورديو في مفهوم الهابتيوس الحيوية وأعاد بناءه من جديد. وجعل له
    شخصية مكتملة، وقد جعل منه بورديو النواة المركزية لنظريته البنيوية في
    الفعل والممارسة (
    THEORIE ET PRATIQUR
    ) وجعله بمثابة الآلية الأساسية لتغيير تمثلات الناس لذواتهم، وللفن وللمدرسة والإعلام وللعالم بصفة عامة.

    إذن
    قبل الحديث عن مفهوم الهابتيوس عند بورديو وعن خصائصه ومستوياته النظرية،
    لا بد من الوقوف عند الترجمة المعجمية لمفهوم الهابيتوس الواردة في المعجم
    السوسيولوجي لروس
    [20].


    واستعملت كذلك كلمة الهابتيوس من طرف طومى الأكويني (1274-1225) واستعملت
    كذلك كلمة الهابتيوس في الحقل الطبي كخاصية معينة تساعد على تطبيق الحالات
    المرضية.


    1)- الترجمة المعجمية لمفهوم الهابتيوس (habitus)[21]:



    يعرف المعجم السوسيولوجي لاروس، لريمون بودن، وفيليب بيسنار، ومحمد
    الشرقاوي، وبرنارد بيرليسي، مفهوم الهابيتوس كما يلي: "إميل دوركايم"
    (1938) كما هو الشأن بالنسبة لماكس فيبر ( 1922)
    M. WEBER.
    ، وقد استعاروا مفهوم الهابتيوس (السمت) مكان الترجمة الاريسطوطاليسية، التي تبعوها تقريبا حرفيا في هذه النقطة.(...) .

    مفهوم
    الهابتيوس يشير إلى الاستعدادات النفسية التي تكون متأثرة على سبيل المثال
    بالتربية، لكن هذه الاستعدادات ليست باستعدادات لا شعورية وغير متحررة، من
    الفعل الإرادي للفرد، ولا يمكن تحديدها خارج الإطار الاجتماعي الذي ينتمي
    إليه. ولا يمكن تحديدها من خلال وضعية واحدة داخل نظام الترشيدات
    الاجتماعية، إضافة إلى ذلك، فإن هذه الاستعدادات لا يمكن تحديدها إطلاقا
    بطريقة ميكانيكية، فهي ليست بتمثلات اجتماعية أو بأفعال شخصية. يعني تصورها
    بالأحرى كأطر أو دلائل لا يمكن للذات أن تنفصل عنها أكثر أو أقل سهولة .


    وقد نظر إميل دوركايم ، إلى التربية على أنها ليست ترويض أو برمجة، ولكنها هي سيرورة تساهم فعلا في تدعيم الاستقلال الفردي.

    2)- مفهوم الهابتيوس عند بير بورديو:

    أ- نبذة تاريخية عن بيير بورديو:


    يعتبر بيير بورديو واحد من أهم علماء الاجتماع في فرنسا بل لعله أكثرهم
    تجديدا وخصوبة، وإن جاز القول فإنه سوسيولوجي بفكره، وأنتروبولوجي بمزاجه،
    ينحدر بورديو من عائلة ريفية ولد عام 1930، ولد في مدينة" ديكان " بمنطقة
    "البرنس"، بغرب جنوب فرنسا، دخل المدرسة العليا سنة1951، حيث اصطدم في هذه
    المدرسة بالثقافة البرجوازية، وحصل على شهادة التبريز في الفلسفة سنة 1955،
    رحل إلى الجزائر وإشتغل أستاذا مساعدا في كلية الآداب بالجزائر العاصمة،
    وهناك شرع في أبحاثه الأولى حول التحولات المجتمعية بالجزائر
    [22].
    وفي سنة1991 عاد إلى فرنسا ليعمل بجامعة السوربون ثم بجامعة ليل. وفي سنة
    1964 تم تعيينه مديرا للدراسات التطبيقية، وهنا بالضبط قام بإصدار كتاب
    الورثة بالمشاركة مع جون كلود باسرون. وبعد هذا الحدث البارز قام بورديو
    سنة 1968، وهي السنة التي تزامنت مع أحداث ماي الطلابية بتأسيس مركز
    السوسيولوجيا الأوروبي, سنة 1975 أصدر مجلته الخاصة أشغال البحث في العلوم
    الاجتماعية أربع سنوات بعد ذلك قام بنشر كتابه الرئيسي والمركزي "التميز-
    النقد الاجتماعي للحكم ". وعين أستاذا لعلم الاجتماع بكوليج دو فرانس سنة
    1981[23].


    اتخذ
    مواقف سياسية عديدة عبر حياته، حينما انتصف في انتخابات الرئاسة في فرنسا
    خلال الثمانينات لمرشح ثانوي، قصد تهديد شروط اللعبة وقواعدها،كما أدان
    التدخل العسكري ضد العراق بداية التسعينات ونادى في نفس الفترة بتشكيل تجمع
    للمثقفين ودعم حركة الاحتجاج والإضراب التي شهدتها فرنسا سنة 1955 ليخصص
    جهده بعدها لقضايا التضامن مع المهاجرين والعاطلين، انتهاء إلى معركته حول
    العولمة التي دافع فيها عن دولة المنفعة العامة، بيد انه لم يتوقف عند هذا
    الحد بل انخرط سنة 1998 في تضامن مع العاطلين الذين احتلوا المدرسة العليا
    واعتصموا بها كما ساند المثقفين الجزائريين...


    وفي يونيو 2000، كان في ميلو إلى جانب جوزيف بوفي ومسؤولي حركة ATTAC""
    ( جمعية فرض ضريبة المعاملات المالية لانقاد المواطن) داعما تأسيس شبكة
    القوى النقدية والتقدمية للنضال ضد العولمة الاقتصادية. وفي 23 يناير 2002
    رحل بيير بورديو عن عالم الوجود بالفعل إلى عالم الوجود بالقوة حسب لغة بن
    رشد.
    [24]

    ب- بورديو بين جدلية الإبداع السوسيولوجي والتشبث والإرث السوسيولوجي الكلاسيكي:


    إن أهم ما يميز السوسيولوجيا البورديوزية هو شمولية خيالها السوسيولوجي في
    الحوار الاجتماعي المنفتح على كل التيارات السوسيولوجية والانثروبولوجية
    والفلسفية، سواء منها تلك التي كانت سائدة في عصره، أو تلك التي كانت
    سائدة الإرث السوسيولوجي السابق عليه عند رواد السوسيولوجيا الكلاسيكية ،
    كونت، دوركايم، ماركس، فبير...وهكذا فبعدما ظل بورديو في حواره مع هؤلاء ،
    فبقدر ما حاول في الوقت نفسه أن يجدد في الفعل السوسيولوجي، بحيث نحث جهازا
    مفاهيميا خاصا به ( مفهوم الهابيتوس، الرأسمال الاجتماعي، الثقافي،
    الرمزي، الاقتصادي، مفهوم الحقل ، الهيمنة، السلطة، العنف الرمزي، إعادة
    الإنتاج...) خول له احتلال مكانة مركزية في السوسيولوجيا المعاصرة، وبفضل
    هده الشبكة المفاهمية الغنية بالدلالات السوسيولوجية ، والتي حاول توظيفها
    بطريقة مغايرة عن تلك التي وظفت بها عند ماركس أو عند دوركايم أو فيبر،
    بفضل هذه المفاهيم يمكن أن نفهم المشروع السوسيولوجي لبيير بورديو والذي
    يختزله في قوله: «إنما أريد القيام به في ساحة علم الاجتماع هو تأسيس علم
    اجتماع بنيوي تكويني، اقتصادي، سياسي للظواهر الرمزية»
    [25].

    ب- مصادر الفكر السوسيولوجي لدى بيير بورديو:

    التقليد السوسيولوجي الماركسي:


    لقد شكل التقليد السوسيولوجي الماركسي ولا زال يشكل مصدرا من أهم مصادر
    في تطور العلوم الاجتماعية عامة، والسوسيولوجيا خاصة، ويتجلى هذا التأثير
    الماركسي في قوة المفاهيم التي صاغها ماركس في مجال علم المجتمع (الصراع
    الطبقي، نمط الإنتاج، الاستيلاب ، الرأسمال، الطبقة، علاقات الإنتاج،
    التغير، الثورة، البناء التحتي، البناء الفوقي...)، ومن هنا يمكن القول بأن
    بورديو بقدر ما ظل مدينا ماركس بقدر ما عمل جادا على نحت مفاهيم وتوجهات
    نظرية خاصة به. ويمكن ملاحظة هذا الامتداد بين سوسيولوجيا ماركس المادية
    التاريخية والمادية الجدلية، وبين سوسيولوجية بورديو البنيوية التكوينية في
    النقط التالية:


    -
    علاقة النظرية بالواقع: بحيث أن التنظير السوسيولوجي لكلاهما، ليس عملية
    مكتسبة ، بل يستمد أصوله من الواقع، وليست هناك نظرية سوسيولوجية خالصة
    بالنسبة لبورديو وبالنسبة لماركس، لذلك يبقى الميدان عندهما هو المختبر
    الذي ينبغي أن تنبثق منه النظرية السوسيولوجية. كما أن البحث الميداني يبقى
    عديم الجدوى إن لم تكن هناك عناصر نظرية توجه الباحث وتؤطر فعله
    السوسيولوجي.


    -
    مفهوم الهيمنة: إذا كان ماركس قد تطرق لمفهوم الهيمنة الطبقية بمختلف
    تجلياتها في البناء العام للمجتمع، فإن بورديو هو الآخر قد استعمل مفهوم
    الهيمنة وتجاوز بعدها الاقتصادي لينظر إليها باعتبارها تلك الآلية التي
    تتحكم في توجيه أبعاد الصراع في جميع الحقول المجتمعية بين المهيمنين
    والمهيمن عليهم.



    وهكذا فإن مصدر كل الهيمنات القائمة بالمجتمع تستمد أصولها من الهيمنة
    الاقتصادية، التي تتجلى في امتلاك وسائل الإنتاج المادي- الاقتصادي من طرف
    الطبقة الرأسمالية المحتكرة لهذه الوسائل. أما الطبقة المسحوقة فهي عرضة
    لهذه الهيمنة التي تتحكم في الصراع الطبقي بين الطبقتين المتناحرتين، أو
    بلغة ماركس بين المستغلين (بكسر الغين) والمستغلين (بفتح الغين). أما
    بالنسبة لبورديو فإن الرساميل الاجتماعية والثقافية والرمزية هي الأخرى لها
    أهمية في ممارسة الهيمنة والسلطة من الفاعلين الاجتماعيين المنفذين
    (les agents agir)
    في جميع الحقول المجتمعية التي يشتد فيها الصراع بين المهيمنين والمهيمن
    عليهم. إذن إذا كان ماركس يركز في الهيمنة على بعدها السوسيو-اقتصادي، فإن
    بورديو يركز على الهيمنة في بعدها الرمزي.



    ولذلك يمكن القول بأنه بقدر ما ركز ماركس على أهمية الاجتماعي في بعده
    الاقتصادي بقدر ما ركز بورديو أيضا هو الآخر على الاجتماعي من خلال مفهوم
    الهابيتوس. لقد كان كل منهما يعمل على عدم تدويب السلوك الإنساني والفعل
    الاجتماعي في منزلقات النزعات المثالية التي تركز على الأحاسيس، الشعور
    الجمعي، ومنزلقات النزعات السيكولوجية، وأساسا من التحليل السيكولوجي الذي
    ينطلق من الفرد، بحيث يجعله مركز ومحور السلوكات الاجتماعية داخل المجتمع.
    وبقدر ما ركز ماركس على الحتمية الطبقية بقدر ما ركز بورديو على حتمية
    الهابيتوس في تفسير السلوك الفردي.



    وإذا كانت الانتقادات الموجهة إلى ماركس تركز على مكون الحتمية الاقتصادية
    والطبقية الحاضرة بقوة في نظريته المادية التاريخية والجدلية في المجتمع
    والفلسفة والتاريخ، والاقتصاد السياسي... فإن بورديو هو الآخر لم يخرج عن
    هاته الحتمية التي يرجعها إلى حتمية الهابيتوس، التي يعترف بوجودها في
    تحليله السوسيولوجي رغم محاولته تجاوز مكون الحتمية التي طغت على
    السوسيولوجيا الكلاسيكية سواء الحتمية الاجتماعية لدى دوركايم أو الحتمية
    الاقتصادية لدى ماركس، أو الحتمية- الثقافية الرمزية لدى فيبر ، لكن
    الحتمية الحاضرة بقوة في التحليل السوسيولوجي البورديوزي، يعتبرها بورديو
    بأنها حتمية موضوعية مادامت مستقلة عن ذاتية الأفراد وهي في الواقع من صنع
    التاريخ والبنيات الاجتماعية والثقافة...


    ait hado
    ait hado
    محترف يفوق الخيال
    محترف يفوق الخيال


    الدولة : المغرب
    عدد المساهمات : 914
    السٌّمعَة : 9
    تاريخ التسجيل : 07/11/2010
    العمر : 32
    الموقع : https://amwage2020.ahlamontada.com
    المزاجhappy

    نظرة كانط الفلسفية للدين Empty رد: نظرة كانط الفلسفية للدين

    مُساهمة من طرف ait hado الجمعة 30 مارس 2012, 08:28



    التقليد السوسيولوجي الدوركايمي:


    يعتبر إميل دوركايم هو الآخر مصدرا هاما من مصادر تشكل الفكر السوسيولوجي
    لدى بورديو الذي ظل في حوار دائم مع كتابات دوركايم السوسيولوجية، خاصة وان
    بورديو كان يركز بشكل كبير على خصوصية الاجتماعي في تفسير الظاهرة
    الاجتماعية، وبذلك فإنه إذا كان دوركايم ينبذ الحس المشترك والسوسيولوجيا
    التلقائية ويدعو إلى خلق قطيعة بين ماهو ذاتي وما هو موضوعي في الظواهر
    الاجتماعية التي ينبغي دراستها على أنها أشياء مادية، وفي استقلال عن
    التحليل النفسي وعن الوعي الفردي الذي هو مستقل عن الوعي الجمعي، وهنا نجد
    دوركايم يقول بخصوص هذه القطيعة: " يجب على عالم الاجتماع أن يدخل إلى
    العالم الاجتماعي كعالم مجهول وينبغي أن يتعامل مع الظواهر الاجتماعية على
    أنها أشياء"
    [26]


    فإن بورديو هو الآخر، قد حاول ما مرة، اعتبار موضوع السوسيولوجيا هو ما
    بعد الحس المشترك، أو بلغة باشلار: لا علة إلا بما هو خفي، وما بعد المظاهر
    التي تبدو عليها الأشياء. لذلك فإنه ينبغي على عالم الاجتماع حسب بورديو
    خلق قطيعة ابيستمولوجية مع الألفة التي تولد بالنسبة لعالم الاجتماع أكبر
    عائق ابيستمولوجي يحول بينه وبين التوصل إلى فهم سوسيولوجي حقيق للظاهرة
    الاجتماعية. لذلك فإن بورديو يرى أن مهمة السوسيولوجيا تكمن في إظهار
    البنيات الأشد خفاء الخاصة بمختلف الحقول الاجتماعية التي تشكل العالم
    الاجتماعي، وكذا توضيح الآليات التي تنزع إلى إعادة تلك البنيات أو
    تحويلها.



    وإذا كانت هذه أهم نقط استمرار التقليد السوسيولوجي الدوركايمي في
    التحليل السوسيولوجي البورديوزي، فإن أهم نقط الاختلاف بينهما يمكن إجمالها
    فيما يلي:


    -
    يقابل قهرية الظاهرة الاجتماعية عند دوركايم، قهرية الهابيتوس عند بورديو،
    لذلك فإنه بقدر ما اعتبر دوركايم أن الشعور الجمعي محدد للسلوك الفردي،
    بقدر ما قرر بورديو أن الهابيتوس محدد للسلوك الفردي كذلك.


    -
    بقدر ما عمل دوركايم من خلال مفاهيم التضامن الآلي و التضامن العضوي
    وتقسيم العمل الاجتماعي على فهم تطور المجتمعات البشرية، بقدر ما عمل
    بورديو على تحديد مختلف الحقول الاجتماعية لإبراز الصراعات القائمة داخلها
    وبالتالي فهم سيرورة تطور المجتمع.


    التقليد السوسيولوجي الفيبري:

    إن
    سوسويولوجيا الفهم لدى ماكس فيبر، كانت هي الأخرى من المصادر الأساسية
    التي انبنت عليها نظرية بورديو البنيوية التكوينية، بحيث أن فيبر أعطى
    الأهمية في تأويله السوسيولوجي الفهمي للفعل الاجتماعي إلى ما هو مادي
    ورمزي في نفس الآن، محاولا تجاوز الحتمية التي كانت طاغية على التحليلين
    السوسيولوجيين الماركسي والدوركايمي. ولم يعد الفرد عند فيبر خاضعا لحتمية
    الشروط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية فقط بل هو فاعل فيه هذه
    الشروط حسب نموذج الفعل الاجتماعي العقلاني الذي يسلكه.



    ونفس الشيء نجده عند بورديو الذي حاول تجاوز مسألة اعتبار الفرد مجرد شيء
    خاضع للمجتمع، الى اعتباره فاعلا منفذا، غير أن بورديو حاول كذلك تجاوز
    النزعة السيكولوجية الحاضرة في سوسيولوجيا الفعل الاجتماعي لدى فيبر، وخاصة
    نظريته في السلطة الرمزية، ليركز على مفهوم الهابيتوس في تحليل وفهم آليات
    تشكل الرأسمال الرمزي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي الذي يتحكم في تدبير
    عملية الهيمنة والسلطة والصراع بين الفاعلين الاجتماعين في حقل اجتماعي
    ما.



    وفي هذا الإطار يقول بورديو بخصوص علاقته بسوسيولوجيا الفهم لدى فيبر:" إن
    الشيء الذي فعلنه أنني حورت فيبر وأعدت التفكير في نظريته من جديد ضمن
    منظور بنيوي تكويني، لقد قلت في دراستي حول الموضوع
    [27] ،
    أن هناك حقلا دينيا وفاعلين اجتماعين متنافسين داخله، وهم يستخدمون وسائل
    مختلفة وعديدة عن طريق الشركات الاقتصادية من أجل إنتاج السلعة الدينية ومن
    أجل بيعها واستجلاب الزبائن(...) سأقول بأن ما أريد القيام به في ساحة علم
    الاجتماع هو تأسيس علم الاقتصاد سياسي للظاهر الرمزية أو ماهو رمزي، أو
    إن شئت فإن منهجيتي تتمثل في المادي الرمزي
    La matérialisme du symbolique"[28].



    4- التحديد البورديوزي لمفهوم الهابتوس:



    يعتبر مفهوم الهابيتوس (Habitus)
    بمثابة حجر الزاوية التي تقوم عليها سوسيولوجيا بورديو، لم يعط بورديو
    تعريفا دقيقا منذ البداية بل أعطاه تعريفات مختلفة قبل أن يستقر في تعريفه
    النهائي في نهاية مشروعه الفكري، والذي جعل منه لا يشرع في إعطاءه تعريف
    نهائي منذ البداية، هو محاولته الجادة والمستمرة لتجاوز النزعة الذاتوية
    Le subjectivisme) ) من خلال أعمال جون بول سارتر الفلسفية والنزعة الموضوعية"Lobjectivisme" البارزة من خلال أعمال كلود ليفي شتراوس[29].

    ويمكن تفسير محاولة بورديو هذه، التي كان يهدف من خلالها الى تفادي الانزلاق في الاتجاهات الوضعانية والاتجاهات الفردانية"lindividualisme"
    والذاتوية، بكون هذه الاتجاهات تنطلق من حتمية الظواهر الاجتماعية، وتقلل
    من أهمية الكائن الاجتماعي وحتمية البنيات لدى الاتجاهات البنيوية، كما أنه
    عمل على تفادي السقوط في المنزلقات الذاتوية والفردانية لأن الأولى تسعى
    الى اعتبار الفرد مجرد فكرة أو وعي خارج الشروط الاجتماعية التي ينشأ فيها،
    أما الثانية ( الفردانية) لأنها تتجاهل البعد الاجتماعي وأهميته في تحديد
    سلوك الأفراد والجماعات أيضا ، لأنها تسعى الى المغالاة في اعتبار الفرد هو
    المنطلق الأول والأخير لكل تحليل، بحيث يصبح المجتمع مجرد الأفراد
    المكونين له.



    وبالرجوع الى مفهوم الهابيتوس فقد وظفه بيير بورديو في دراسته
    الانتروبولوجية والسوسيولوجية الأولى حول المجتمع القبايلي بالجزائر، وفي
    مرحلة الثمانينات وظفه بشكل علمي وذلك في كتابه
    Le sens pratique"
    "[30] .

    وقد عرفه في كتابه هذا قائلا" إن الاشتراطات المشتركة لطبقة معينة من خلال ظروف حياتية تنتج سموت"Les Habitus " كأنسقة من الاستعدادات الدائمة والقابلة للتحويل وكبنيات منتظمة"les structures structurées" قابلة لكي تعمل كبنيات ناظمة" structures structurantes"[31].

    أي
    كمبادىء مولدة ومنظمة للممارسات والتمثلات، قادرة على التكيف موضوعيا
    بأهدافها دون وعي مفترض مسبقا ودون التحكم في العمليات الضرورية لتحقيق تلك
    الأهداف ، كل هذا ينتظم موضوعيا وبطريقة منتظمة بعيدا على أن يكون ذلك
    نتيجة الخضوع لقواعد ما، أو لفعل ما منتظم ناتج عن مصدرما."


    يبدو
    من خلال هذه التعريف التركيبي أن ممارسة الأشخاص كيفما كانت ، سواء اتخذت
    صبغة نشاط رمزي أو تمظهرات على شكل سلوك عملي، فهي محكومة بالتجربة
    السابقة للأفراد، وبمختلف أشكال التنشئة الاجتماعية، وهذا ما جعل ديبار"
    DUBAR
    " [32]،
    ويتحدث عن التنشئة الاجتماعية كاستبطان للهابتيوس الذي يشير إلى مجموعة من
    الاستعدادات المتعلمة، وإلى أخطوطات الإدراك والى التقييم والممارسة التي
    يتم تلقينها في محيط اجتماعي محدد، وتساهم الأسرة والمدرسة بدور حاسم في
    بناء هذه الآلية التي تحمل سمات الطبقة التي ينتمي إليها الفرد.



    وهكذا فإن مفهوم الهابتيوس هو عبارة عن تلك البينة المولدة لكل ممارسة،
    والموجهة لكل ما هو مقبول وما هو مرفوض من جانب الفرد، فهو يضع حدودا
    للطموح وللحلم لدى الأشخاص.


    وبالرجوع إلى التعريف الذي أعطاه بورديو لمفهوم الهابتيوس يمكن تحديد أهم خصائص الهابتيوس وهي كالتالي:

    ü الهابتيوس
    هو نتيجة للإشراطات، وهذه الأخيرة ناتجة عن ظروف حياتية معينة، نلاحظ من
    خلال هذه الخاصية أن بورديو ركز على أهمية البعد الاجتماعي كمرجعية
    للهابتيوس الذي يأتي نتيجة للبنيات الاجتماعية ونتيجة للبنيات الداخلية
    والذاتية، الخارجية والمكشوفة، لذلك فالهابتيوس هو نتاج ذلك التفاعل الحاصل
    بين البنيات الداخلية المستدخلة وبين البنيات الاجتماعية الموضوعية
    الخارجية.


    ü الهابتيوس،
    أنسقة من الاستعدادات الدائمة والقابلة للتحويل، المقصود بذلك أن
    الهابتيوس يكون في إطار النسق الاستعدادي الفردي، وهو بمثابة تنوع بنيوي
    كاشتقاق داخل هذا النسق الذي يعبر الفرد من خلاله عن فردانيته وعن طابعه
    الخاص الذي يميزه عن باقي الأفراد، ونسق هذه الاستعدادات الدائمة يجعل
    الفعل غير صادر عن إرادة واعية ولا عن استجابة لمنبهات خارجية، لكن كمسار
    دائم قادر على التكيف والاختراع حسب الظروف الموضوعية التي تحيط بالفرد،
    وبذلك فالهابتيوس هو آلية لا واعية، لا ينتج عن إرادة حرة وواعية، بل يشتغل
    بكيفية لا واعية
    inconscient) (Processus،
    و يتخذ صيغة أفعال تلقائية وممارسة عملية أكثر مما يتخد صيغة فعالية
    ذهنية، قائمة على التفكير ، فرغم أن الاختيارات والمواقف التي يسنها
    الأفراد تبدو لهم تلقائية وتعبيرا عن رغباتهم فهي حسب بورديو تعبير عن
    حتمية صارمة، تتمثل في آلية الهابتيوس وهذا يعني أن كل لأنشطة التي يعبر
    عنها الفرد سواء كانت رمزية أو عملية أو حركية، فهي شكل من أشكال
    الاستظهار، لاستبطان قسر ثقافي واجتماعي، حدث خلال مراحل التنشئة الأسرية
    والمدرسية، وتحت تأثير المحيط الثقافي والاجتماعي للفرد.








    ü الهابتيوس كبنيات فاطنة وبنيات منتظمة:

    "Structures structurées et structures structurantes" انطلاقا
    من هذه الخاصية، يعتبر بورديو، أن مفهوم الهابتيوس بمثابة بنية تنتظم
    داخلها وتتحد من خلالها سلوكات الأفراد، لكن أيضا كبنيات ناظمة لأن الفرد
    يتمتع بهامش من الحرية للتأثر في هذه البنيات، بعبارة أخرى فالفاعل المنفذ
    "
    lagent agir" [33]،
    بقدر ما هو محدد ببنيات اجتماعية موضوعية، بقدر ما هو قادر على طبع هذه
    البنيات بطابعه الخاص، وبهذا المعنى يصبح الهابتيوس بمثابة القدرة لانهائية
    لكن محددة، تنسجم فيها إدراكات وأفعال وتمثلات وأحكام ومواقف، وهذا ما
    يعبر عنه بورديو بكون الهابتيوس مبدأ مولدا"
    Principe générateur
    ".

    ü الهابتيوس
    سلوك غير ناتج عن وعي مفترض أو عن حساب المسبق بحيث أن من بين الخصائص
    الهابتوس، أنه سلوك ناتج عن وعي، وهذا راجع إلى كونه ناتج عن استعداد
    مكتسب، لأن الفرد يسلك داخل المجتمع من خلال تلك الخطاطات الذهنية
    والإدراكية والمعرفية التي طبع بها من خلا تاريخه الاجتماعي وتجاربه الخاصة
    التي يحددها الحقل الذي ينتمي إليه ، بالتالي فإن الهابيتوس هو بمثابة
    سلوك لا شعوري.



    ويتشكل الهابتوس من ذلك التطابق الحاصل بين الأفعال الفردية، وقدرة هذه
    الأفعال على التكيف والتعديل الذي تتطلبه وضعية ما أو حدث ما. و تعتبر هذه
    القدرة بمثابة استعداد دائم وبمثابة مبدأ مولد، كما أن الهابيتوس يتشكل من
    نقطة الالتقاء بين الخطاطات الذهنية والإدراكية والمعرفية، لا كخطاطات
    قائمة مسبقا بل كخطاطات متفاعلة ودوما متجددة.


    والهابيتوس
    كإنتاج للتاريخ، تاريخ الممارسات والتجارب الفردية والجماعية في تطابق مع
    الخطاطات الصادرة عن هذا التاريخ، ويقوم بوظيفة استحضار فعال للتجارب
    السابقة، إنه بمثابة ماضي يفعل في الحاضر ويسعى إلى استمرار في المستقبل،
    إنه ذلك التاريخ المنسي والمجسد، والحاضر كمبدأ مولد لسلوكات الأفراد
    والجماعات وبالتالي فإن مفهوم الهابيتوس بقدر ما هو نتاج التاريخ بقدر ما
    قادر على إنتاج التاريخ.


    وما
    دام بورديو يعطي أهمية أسبقية للبنيات الاجتماعية في تفسير وفهم السلوك
    الفردي، فإن مفهوم الهابيتوس عنده يتخذ أبعاد متعددة فيما يخص علاقة الفرد
    بالمجتمع، فإنه حسب بورديو هو الذي يسمح بتطوير الذاتي في وسط معطى بدون
    حاجة إلى مراقبة و اعية للفعل والكلمة، فللهابيتوس خصوصية فردية مشبعة
    بالإكراهات والمصادر الجماعية، ويمكن أن نحس بالثقل هذا المعنى عندما نلج
    عالم غريب علينا، آنذاك تتوجب علينا المراقبة والحذر من الوقوع في متاهات
    الفعل " العبثي" بالمعنى العامي كطريقة الأكل والكلام... إن الفرد لا يعي
    أفكاره، بل لا يمكن أن ننسى التأثير القوي لتلك التصرفات والأفكار التي
    اكتسبها في أوساط متنوعة للتحول فيما بعد إلى شبه رتبات ذهنية، لتصبح مع
    مرور الوقت لا شعورية والتي ستسمح لنا بالتصرف، دون جهد كبير، من التفكير،
    ويمكن أن تسمى هذه الطريقة في الفعل والأفكار بالهابيتوس، لكن الشروط
    الاجتماعية تدخلها في علاقات نسقية على نحو معين ولم يبقى ذلك الفعل مجرد
    رتابة.



    والهابيتوس هو دليل قوي على الأصل أو الوسط الاجتماعي للفرد الذي يتشرب
    ويستبطن مجموعة من العناصر السوسيو- ثقافية، لكن ذلك ليس بشكل حتمي بل هناك
    نوع من الفاعلية الفردية التي تتحكم في هذا الاستبطان، وكذا فإن مفهوم
    الهابيتوس يشكل عند بورديو دعوة للتقريب بين الحتمية الاجتماعية من جهة
    وبين الفردانية من جهة أخرى، إنه يسعى إلى الكشف عن ما هو خارجي في ما هو
    داخلي
    [34].

    وبذلك
    فإن البنيات الداخلية ( الذاتية) والبنيات الاجتماعية الخارجية
    (الموضوعية)، لا تتناقضان في بنية مفهوم الهابيتوس عند بورديو، بل هما على
    العكس من ذلك صورتان لحقيقة واحدة، لتاريخ مشترك، ذلك التاريخ المنقوش في
    الذات وفي الأشياء.



    ويمتلك الإنسان الوعي بوجود الهابيتوس عندما يجد نفسه داخل وسط غير وسطه،
    ولا يعرف قواعد اللعب فيه، طرق الحديث، التصرف، السلوك. فالكلام
    الأرستقراطي والكلام الشعبي الصريح هي هبيتيسات (
    Les habitus
    )
    لغوية، يؤكد بورديو في كتابه "تأملات باسكالية"، 1997"، أن إحدى الوظائف
    الأساسية لمفهوم السمت هي إزاحة غلطين متكاملين من جهة أولى النزعة الآلية،
    التي ترى أن العمل هو نتاج آلي لإرغام أسباب خارجية، ومن جهة ثانية،
    النزعة الغائية التي ترى وخاصة مع نظرية الفعل العقلاني، أن الفرد يتصرف
    بطريقة حرة وواعية"
    [35]



    أ- الهابيتوس الأولي والثانوي:


    إن سيرورة تشكل الهابيتوس الفردي يمر عبر مجموعة من المحطات التاريخية في
    حياة الفرد وتجاربه الخاصة، عبر مختلف الحقول التي يحتك بها وعبر مختلف
    المؤسسات الاجتماعية التي يتشرب قواعدها وقوانينها وعبر المحيط الاجتماعي
    بصفة عامة، ونظرا لهذا التعدد في مؤسسات التربية والتنشئة الاجتماعيتين
    ونظرا كذلك لتعدد مسارات وتجارب الفرد، يمكن التمييز بين صنفين من
    الهابيتوس، الهابيتوس الأولي، والهابيتوس الثانوي.


    بالنسبة للأول (الأولي) (Habitus primaire) فهو نتاج للتنشئة الأسرية خلال المراحل الأولى من الطفولة حيث يتم بناء الأخطوطات الأول، ويستبطن الطفل intériorisation" "
    المعايير والأدوار الخاصة بالأسرة وبالطبقة التي ينتمي إليها ، ويعتبر
    بورديو أن الفعل التربوي الذي يحدث خلال مرحلة التربية الأولية هو المحدد
    الحاسم في بناء الهابيتوس؛ بحث يصعب فيما بعد تغييره بشكل جوهري. ويحمل
    الهابيتوس الأولي الخصائص الاجتماعية للأسر والطبقة التي ينحدر منها الفرد،
    حيث يكتسب الطفل عبر تجاربه المتراكمة الذوق والإحساس وأساليب العيش، أو
    ما يسميه بورديو ب"إيطوس الطبقة"
    éthos de classe"
    ، فهو يتشكل عن طريق اللتجارب المندمجة في وحدة مكونة لبيوغرافيا صارمة،
    تنتظم انطلاقا من الوضعيات الأصلية والمعيشة لطبقة معينة في اطار صنف محدد
    من البنية الأسرية.
    [36]



    وإذا
    كان الهابيتوس الأولي يتشكل خلال مراحل الأولى من الطفولة عن طريق التنشئة
    واستبطان الخصائص الأسرية والاجتماعية من لدن الطفل، فإن الهابيتوس
    الثانوي يتكون بدوره خلال مرحلة التنشئة المدرسية التي تكرس ثقافة الطبقة
    المسيطرة وتضفي عليه الشرعة وتمارس نوعا من العنف الرمزي (
    violence symbolique
    ) على أبناء الطبقات المحرومة الذين يمتلكون هابيتوس مختلف عن ذلك الذي يمتلكه الورثة (Les hhéritiers).[37]


    وير ى بورديو وباسرون أن كل من الهابيتوس الأولي والثانوي يتجهان نحو
    التكامل، عندما تكون الثقافة الأسرية متشابهة وقريبة من الثقافة المتداولة
    في المدرسة، فالعلاقة هنا إذن هي علاقة تكامل وتراكم، بحيث تحظى الثقافة
    الأسرية بتقدير المدرسية.
    [38]


    وفي حالة تباعد وتنافر الثقافة المميزة للأسرة والثقافة المتادولة في
    المدرسة فإن التربية والتأثير البيداغوجي يظلان عاجزين عن بناء وتلقين
    هابيتوس جديد، وعن تكوين صفات اجتماعية من نوع آخر، ماعدا في حالة هيمنة
    وسيادة بيداغوجية استبدادية صارمة (
    pédagogie totalitaire
    )، كما هو الشأن في المعسكر والأديرة والسجن والملجأ والمعتقل.[39]


    وفي نفس الاتجاه يؤكد بورديو وباسرون أنه في المجتمعات التي تتميز بهيمنة
    طبقة معينة، عن طريق تملكها للسلطة وفرض قيمها الثقافية كواقع مشروع، فإن
    التنشئة المدرسية لا تسعى بالدرجة الأولى استبدال الهابيتوس الأولي
    بالهالبيتوس الثانوي لدى أبناء المحرومين، بقدر ما تتوخى جعل هذه الفئات
    تقر مشروعية الاجتماعية للهابيتوس المدرسي المتمثل في الثقافة السائدة، وفي
    القسر الثقافي
    (Arbitraire culture) المكرس من طرف النظام التربوي الرسمي.

      مواضيع مماثلة

      -

      الوقت/التاريخ الآن هو الإثنين 29 أبريل 2024, 06:19