تتعدد أسباب الوفاة وتتعدد التساؤلات!
د. رشود الخريف : صحيفة الاقتصادية الالكترونية - الأحد 1430/4/2 هـ. الموافق 29 مارس 2009 العدد 5648
يُقال "تعددت الأسباب والموت واحد". نعم إن أسباب الوفاة متعددة
ومختلفة من دولة إلى أخرى، ومن زمان إلى آخر. فأسباب الوفاة في المملكة قبل
ثلاثة أو أربعة عقود تختلف كثيراً عن أسباب الوفاة في الوقت الحاضر. في
الماضي كانت الأمراض المعدية والطفيلية شائعة في المجتمع، ولكن بحمد الله
تم القضاء على كثير من الأمراض البيئية والمعدية من خلال الجهود المستمرة
في مكافحة مسبباتها من جهة، ومن خلال تحسن مستويات المعيشة وارتفاع الوعي
الصحي العام من جهة أخرى.
في الواقع ليس من السهولة تحديد
أسباب الوفاة أو تصنيف الوفيات حسب أسبابها، لوجود بعض الأسباب المتعددة
والمتشابهة والمشتركة (أو المركبة). فهناك سبب رئيس وسبب ثانوي، وسبب مباشر
وسبب غير مباشر، وسبب ظاهر وآخر كامن. لذلك سعت المنظمات الدولية إلى
إيجاد دليل موحد لتصنيف أسباب الوفاة، يُطلق عليه "التصنيف الدولي للأمراض"
International Classification of Diseases. وشهد هذا الدليل كثيراً من
التطوير والتنقيح خلال العقود الماضية.
وقد قطعت دول الخليج
العربية شوطاً كبيراً في القضاء على كثير من الأوبئة، مما جعل أسباب الوفاة
فيها تشابه الدول المتقدمة إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال، أصبحت أمراض
الجهاز الدوري الدموي (أمراض القلب) هي السبب الأول للوفاة في الكويت
والسعودية وقطر والبحرين، إذ يمثل هذا السبب أكثر من (20 في المائة)
تقريباً.
وتأتي في المرتبة الثانية الوفيات بسبب "الأورام"
في كل من قطر والبحرين، بنسبة تصل إلى نحو (10 في المائة)، في حين تنخفض
النسبة إلى نحو (5 في المائة) تقريباً في السعودية حسب إحصاءات وزارة الصحة
المنشورة، لتحتل – بذلك - الأورام المرتبة الرابعة من بين أسباب الوفاة في
المملكة. ولا شك أن ارتفاع معدل الوفيات الناجمة عن الإصابة بأمراض القلب
والأورام يرتبط – بدرجة كبيرة - بطول العمر الذي يعيشه الإنسان، فالسكان
أصبحوا يعيشون فترة أطول، وذلك بسبب القضاء على الأمراض المعدية.
ومن المثير حقاً وجود اختلاف ملحوظ بين السعودية ودول الخليج في
الأسباب الرئيسة للوفاة، على الرغم من التشابه الكبير في أوضاعها الصحية
ومستويات معيشة سكانها. فبناء على الكتاب الإحصائي لوزارة الصحة تمثل
الوفيات بسبب ما يُسمى بـ "حالات معينة تنشأ في الفترة حول الولادة" نحو
(10 في المائة)، ليحتل هذا السبب المرتبة الثالثة من بين الأسباب الرئيسة
للوفاة في المملكة. وفي المقابل، لا تتجاوز نسبة الوفيات للسبب نفسه في
البحرين (2 في المائة) وفي قطر (4 في المائة). وهذا الأمر يثير بعض
التساؤلات، إما حول التصنيف وإما الوضع الصحي في المملكة، خاصة عند
المقارنة بالدول الأخرى.
ومن الأمور المثيرة – أيضاً – في
الكتاب الإحصائي لوزارة الصحة أن نسبة كبيرة من أسباب الوفاة غير معروفة.
فالمملكة تكاد تكون الدولة الوحيدة التي ترتفع بها نسبة الوفيات التي لا
تُعرف أسبابها إلى أكثر من الربع (نحو 26 في المائة). في الحقيقة، يمكن
قبول نسبة تصل إلى 6 أو 9 في المائة، ولكن يصعب قبول نسبة تتجاوز الربع،
حتى من الناحية الإحصائية!
وجانب آخر مهم، يُلاحظ أن نشرات
إحصاءات الوفيات في بعض الدول توفر تفاصيل مفيدة عن أسباب الوفاة كأن توضح
الوفيات بسبب حوادث الطرق، لكثرتها وسهولة الحد منها مقارنة بالأسباب
الأخرى. وعلى عكس ذلك تفضل وزارة الصحة – دائماً - دمج كثير من الأسباب مع
بعضها، لدرجة تجعل المعلومات التي توفرها أقل فائدة للباحثين أو الجهات ذات
العلاقة.
وهنا يبرز التساؤل: ألا ينبغي أن تهدف عملية جمع
البيانات الصحية إلى تحقيق احتياجات المستفيدين من البيانات، كمتخذي
القرارات والباحثين وغيرهم، خاصة أن الهدف هو السيطرة على أسباب الوفاة
والحد منها قدر الإمكان؟!.
د. رشود الخريف : صحيفة الاقتصادية الالكترونية - الأحد 1430/4/2 هـ. الموافق 29 مارس 2009 العدد 5648
يُقال "تعددت الأسباب والموت واحد". نعم إن أسباب الوفاة متعددة
ومختلفة من دولة إلى أخرى، ومن زمان إلى آخر. فأسباب الوفاة في المملكة قبل
ثلاثة أو أربعة عقود تختلف كثيراً عن أسباب الوفاة في الوقت الحاضر. في
الماضي كانت الأمراض المعدية والطفيلية شائعة في المجتمع، ولكن بحمد الله
تم القضاء على كثير من الأمراض البيئية والمعدية من خلال الجهود المستمرة
في مكافحة مسبباتها من جهة، ومن خلال تحسن مستويات المعيشة وارتفاع الوعي
الصحي العام من جهة أخرى.
في الواقع ليس من السهولة تحديد
أسباب الوفاة أو تصنيف الوفيات حسب أسبابها، لوجود بعض الأسباب المتعددة
والمتشابهة والمشتركة (أو المركبة). فهناك سبب رئيس وسبب ثانوي، وسبب مباشر
وسبب غير مباشر، وسبب ظاهر وآخر كامن. لذلك سعت المنظمات الدولية إلى
إيجاد دليل موحد لتصنيف أسباب الوفاة، يُطلق عليه "التصنيف الدولي للأمراض"
International Classification of Diseases. وشهد هذا الدليل كثيراً من
التطوير والتنقيح خلال العقود الماضية.
وقد قطعت دول الخليج
العربية شوطاً كبيراً في القضاء على كثير من الأوبئة، مما جعل أسباب الوفاة
فيها تشابه الدول المتقدمة إلى حد كبير. فعلى سبيل المثال، أصبحت أمراض
الجهاز الدوري الدموي (أمراض القلب) هي السبب الأول للوفاة في الكويت
والسعودية وقطر والبحرين، إذ يمثل هذا السبب أكثر من (20 في المائة)
تقريباً.
وتأتي في المرتبة الثانية الوفيات بسبب "الأورام"
في كل من قطر والبحرين، بنسبة تصل إلى نحو (10 في المائة)، في حين تنخفض
النسبة إلى نحو (5 في المائة) تقريباً في السعودية حسب إحصاءات وزارة الصحة
المنشورة، لتحتل – بذلك - الأورام المرتبة الرابعة من بين أسباب الوفاة في
المملكة. ولا شك أن ارتفاع معدل الوفيات الناجمة عن الإصابة بأمراض القلب
والأورام يرتبط – بدرجة كبيرة - بطول العمر الذي يعيشه الإنسان، فالسكان
أصبحوا يعيشون فترة أطول، وذلك بسبب القضاء على الأمراض المعدية.
ومن المثير حقاً وجود اختلاف ملحوظ بين السعودية ودول الخليج في
الأسباب الرئيسة للوفاة، على الرغم من التشابه الكبير في أوضاعها الصحية
ومستويات معيشة سكانها. فبناء على الكتاب الإحصائي لوزارة الصحة تمثل
الوفيات بسبب ما يُسمى بـ "حالات معينة تنشأ في الفترة حول الولادة" نحو
(10 في المائة)، ليحتل هذا السبب المرتبة الثالثة من بين الأسباب الرئيسة
للوفاة في المملكة. وفي المقابل، لا تتجاوز نسبة الوفيات للسبب نفسه في
البحرين (2 في المائة) وفي قطر (4 في المائة). وهذا الأمر يثير بعض
التساؤلات، إما حول التصنيف وإما الوضع الصحي في المملكة، خاصة عند
المقارنة بالدول الأخرى.
ومن الأمور المثيرة – أيضاً – في
الكتاب الإحصائي لوزارة الصحة أن نسبة كبيرة من أسباب الوفاة غير معروفة.
فالمملكة تكاد تكون الدولة الوحيدة التي ترتفع بها نسبة الوفيات التي لا
تُعرف أسبابها إلى أكثر من الربع (نحو 26 في المائة). في الحقيقة، يمكن
قبول نسبة تصل إلى 6 أو 9 في المائة، ولكن يصعب قبول نسبة تتجاوز الربع،
حتى من الناحية الإحصائية!
وجانب آخر مهم، يُلاحظ أن نشرات
إحصاءات الوفيات في بعض الدول توفر تفاصيل مفيدة عن أسباب الوفاة كأن توضح
الوفيات بسبب حوادث الطرق، لكثرتها وسهولة الحد منها مقارنة بالأسباب
الأخرى. وعلى عكس ذلك تفضل وزارة الصحة – دائماً - دمج كثير من الأسباب مع
بعضها، لدرجة تجعل المعلومات التي توفرها أقل فائدة للباحثين أو الجهات ذات
العلاقة.
وهنا يبرز التساؤل: ألا ينبغي أن تهدف عملية جمع
البيانات الصحية إلى تحقيق احتياجات المستفيدين من البيانات، كمتخذي
القرارات والباحثين وغيرهم، خاصة أن الهدف هو السيطرة على أسباب الوفاة
والحد منها قدر الإمكان؟!.